رقائق تاريخية” للدكتور راغب السرجاني
الرقيقة العشرون
(تذكار خاتون بنت بيبرس)
نساء أعلام🏳👩🏻
بقلم/ إسراء القاسم
(مواقف نسائية يقتدي بها الرجال والنساء)
(تذكار خاتون بنت بيبرس ورعاية النساء)
تذكار خاتون هي أميرة مملوكية وتُعد إحدى النساء العظيمات في تاريخ المسلمين، فهي بنت السلطان بيبرس المؤسِّس الحقيقي لدولة المماليك، وكانت مدة حكم السلطان بيبرس من سنة 658هـ، وحتى سنة 676هـ.
بعد وفاة السلطان بيبرس بثماني سنوات، وتحديدًا في عام 684هـ، أي في زمن السلطان سيف الدين قلاوون قامت ابنته تذكار خاتون بعمل خيري عظيم، حيث أنشأت دارًا لإيواء النساء اللاتي فقدن عائلهن؛ إما بالطلاق، أو بالهجر، أو بالموت،
هذا العمل الخيري الجليل كان فيه صيانة كبيرة للنساء وللمجتمع، وقد أوقفت على الدار أوقافًا لتضمن الاستمرارية، وأهمُّ ما في الأمر هو استمرارية الحفاظ على إسلامية الدار لضمان الحفاظ على أخلاقيات النزيلات، ولمنع الطمع فيهن من الناس، فابتكرت أمرًا عظيمًا، وهو أنها استقدمت للدار شيخة جليلة شهيرة تعيش في الدار مع النزيلات، وتقوم بالوعظ والإرشاد، والتعليم، وهي الشيخة الجليلة زينب بنت أبي البركات البغدادية، ولذا عرفت الدار برباط البغدادية، وظلَّت تدرِّس فيه إلى وفاتها في عام 796 هجرية.
بعد ذلك صارت كلُّ مَنْ تدرِّس في هذا الرباط تُعْرَف بالبغدادية، ومن مشاهير الشيخات اللاتي درَّسن في هذا الرباط أمّ زينب فاطمة بنت عباس البغدادية، توفيت في ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبعمائة، وقد أنافت على الثمانين، وكانت فقيهة وافرة العلم، زاهدة قانعة باليسير، عابدة واعظة حريصة على النفع والتذكير، ذات إخلاص وخشية، وأمر بالمعروف، انتفع بها كثير من نساء دمشق ومصر، وكان لها قبول زائد ووقع في النفوس، وقد زارها العلامة الذهبي في هذه الدار مرة، وأثنى عليها ابن تيمية، وكان يعرفها من دمشق وهو معاصر لها.
قال المقريزي عن هذا الرباط بعد أكثر من 150 سنة من الإنشاء: وفيه إلى الآن بقايا من خير، ويلي النظر عليه قاضي القضاة الحنفيّ.

(رعاية النساء الفقيرات وكفالتهن):
قديمًا كان المجتمع لا يترك أرملة أو مطلقة بدون زواج، ولم يكن الزواج الثاني أو الثالث مستنكرًا، أيضًا كانت المجتمعات قديمًا لا تتقبَّل بسهولة عمل المرأة وإن كانت لا تحرِّمه، ومن المؤكَّد أن المرأة القادرة على العمل ينبغي أن تعمل، ولكن قد تكون مثقلة بالأولاد، أو بالمرض، أو بكبر السِّن، وهنا ينبغي أن تُوجَد الحلول.
ومع ذلك فليس حلَّا الزواج والعمل الوحيدين في هذا الأمر، وقد عرضت لنا تذكار بنت بيبرس أحد ألوان الحلول البديلة، وهو دار لرعاية هؤلاء النسوة كدور المسنين ودور الأيتام، وقد التفتت المجتمعات إلى قضايا المسنين والأيتام بشكل جيد، لكنها تغافلت عن النساء الفقيرات على خطورة تركهن بلا رعاية.
على الأقل -كبداية قبل الوصول لحلٍّ مؤسسي كذلك الذي قدَّمته تذكار بنت بيبرس- ينبغي أن يتحرَّك الصالحون الأثرياء لحلِّ مشكلات المرأة التي فقدت عائلها عن طريق تقديم العون الصادق لهن كي لا يحتجن إلى مال.
انظر في الرحم والجيران، وتعامل بجدية مع ما تسمع من مشكلات حولك.

أنتظروا الرقيقة الواحد والعشرين